كان الكفار يؤمنون بوجود الله
وما كانت الأصنام إلا وسيلة تقربهم إلى الله كما جاء في سورة الزمر الآية ٣ {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا
نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}، وفي سورة ص
الآية ٥ {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ
هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}، واشتملت سورة الأنبياء على العديد من الآيات التي
ترسخ هذا المفهوم فلقد كانوا يعرفون أن هناك رسل سابقون كما جاء في آية ٥ {فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ}
ثم في الآية ٥٣ {قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا
عَابِدِينَ} ثم تأتى الآية ٩٤ {فَمَنْ يَعْمَلْ
مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ
كَاتِبُونَ} الإيمان معناها الإيمان المطلق بالله والصالحات تشمل كل ما صلح
من عمل فلا كفران لسعيه أي فلا يضيع الله عمله ولا يبطله،
وكانوا يعترفون بوجود إله كما حاء في سورة المؤمنون في الآيات {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ
تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (٨٥) قُلْ مَنْ
رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ
لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (٨٧) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ
وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٨)
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (٨٩)}، ثم يأتي في سورة
العنكبوت ما يؤكد اعترافهم بوجود الله الآية ٦١ {وَلَئِنْ
سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}
ثم الآية ٦٣ من نفس السورة {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ
نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}.
وورد في سورة فاطر الآية ٤٢ {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ
أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى
الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ
إِلَّا نُفُورًا} ولقد أقسم كفار قريش بالله
جهد أيمانهم أي بأشد الأيمان لئن جاءهم رسول من عند الله لينذرهم ليكونن أكثر
استقامة واتباعا للحق من إحدى الأمم أي اليهود والنصارى، ما زادهم إلا نفورا أي ما
زادهم ذلك إلا بعدا عن الحق ونفورا منه.
وفى الآية ١٠٨ من سورة الأنبياء {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ
وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} هذه الآية الكريمة تقودنا إلى مفهوم
كلمة الإسلام ففي اللغة تعني الاستسلام والانقياد والخنوع ومن هنا خصصها وسماها
سيدنا إبراهيم كما ورد في سورة الحج الآية ٧٨ {مِلَّةَ
أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ}، والفرق
بين الإسلام وديانة الإسلام كما ورد في سورة آل عمران الآية ٦٧ {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا
وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا} حنيفا أي كان متبعا لأمر الله وطاعته
مستسلما لربه وهي ديانة إبراهيم وليس على دين سيدنا محمد، ثم تأتى الآية ٨٣ من سورة آل عمران {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} لتبين
المعني اللفظي لكلمة أسلم أي استسلم وانقاد كل شيء لله سبحانه وتعالى، وفى سورة
الحجرات الآية ١٤ بيان الفرق بين الإيمان والاستسلام لله {قَالَتِ
الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} ثم
تأتى الآية ٨٥ من سورة آل عمران {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ
الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} فالدين هو عقيدة منبثقة من
رسالة و رسول وكتاب يحدد أطر هذه العقيدة بالاستسلام التام لله واتباع أوامره ونواهيه.
ثم تأتي كلمة مسلمين في سورة النمل في
خمس آيات لتجسد معناها ففي الآية ٣١ {أَلَّا تَعْلُوا
عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} ألا تعلوا أي ألا
تتكبروا وتتعاظموا عما دعوتكم إليه وأتوني منقادين مستسلمين، ثم في الآية ٣٨ {قَالَ يَا
أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي
مُسْلِمِينَ}، ثم الآية ٤٢ {وَأُوتِينَا
الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} قال سليمان وأوتينا العلم
بالله وبقدرته من قبلها وكنا منقادين لأمر الله مستسلمين له، ثم الآية ٤٤ {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ
سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وقالت رب إني ظلمت نفسي بما كنت
عليه من الشرك وانقدت مع سليمان لله رب العالمين، ثم الآية ٩١ {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ
الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ} وهذا إقرار وإعلان من سيدنا محمد بالاستسلام لله رب
العالمين.
وأيضاً كما جاء واضحاً ومحدداً في
سورة القصص الآية ٥٣ {وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا
آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ
مُسْلِمِينَ} من قبله مسلمين أي من قبل نزول
القرآن مستسلمين لله موحدين به ومعني ذلك أن جميع أتباع الأديان السماوية هم في الواقع مسلمين وجميعهم لهم مناسك في
عبادتهم لله كالصلاة والصوم والزكاة والحج وإن كانت تختلف هذه المناسك في طريقتها
ولكنها تتفق على الغاية منها وهي عبادة الله الخالق وتقديسه وحده ولقد أرسل الله
الرسل برسالة خاصة لكل أمة بالإضافة لتوحيده وعبادته وحده، وبالتالي كانت هذه المناسك
خاصة لهذه الأمة ثم تأتى شهادة الحواريين باتباع سيدنا عيسى بالاستسلام والخنوع
لله في سورة المائدة الآية ١١١ {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي
وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ}.