هل تتعارض نظرية دارون مع ما جاء في القرآن، أولاً لا
يستطيع أحد أن ينكر وجود الحفريات التي يعُثر عليها ويفسرها العلم من خلال نظريات
وحيث أن الإسلام دين العلم وإعمال العقل ويحُث على التدبر فيما حولنا كما أمرنا
الله في محكم آياته التالية:
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي
أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ
بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) فصلت
قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا
كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ
اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) العنكبوت
وإذا تدبرنا الآية 30 من سورة البقرة:
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي
جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا
وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ
إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ
فعندما أراد الله أن يجعل في الأرض خليفة والمعروف أن
الخليفة يكون لكائن موجود بالفعل، وعندما ردت الملائكة بأن هذا الكائن همجي يسفك
الدماء وهو ما ينطبق على مواصفات الإنسان البدائي الأول مع العلم بأن الملائكة لا
تعلم الغيب فمن أين عرفت هذه المعلومة إن لم يكن هذا الإنسان موجود بالفعل.
إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي
خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ
رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) ص
وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ
عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ
كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) البقرة
وكان خلق آدم متقدم على جعله خليفه في الأرض ومن منطلق
أن إرادة الله تكمن بين كن فيكون فمنح الله هذا الكائن العقل والتفكر والتعلم
بمعني سواه فعلمة الله أسماء الأشياء ومدلولاتها ليميزه عن مخلوقاته جميعها بالعلم
والعقل، ومن هنا كانت بداية آدم من ذرية هذا الكائن الهمجي الذي يسفك الدماء والذي
تحول بإرادة الله ومشيئته إلى هذا الكائن العاقل والذي لم يكن شيئاً ذو أهمية من
قبل ومثله مثل جميع الحيوانات التي ليس لها ذكر وبصمة وهنا أكمل الله إرادته لهذا
الكائن بقولة وإرادته تعالى بتسويته.
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ
رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) الحجر
ووردت نفس الآية في سورة ص آية 72
والتسوية لا تكون إلا لموجود وكائن بإعطائه العقل
ووهبه الحياة المدركة العاقلة.
وإذا تدبرنا الآيات:
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ
سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) المؤمنون
وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً (14) نوح
المعروف أن السلالة هي طور من أطوار النشأة والتطور
فالإنسان الأول خلق بإرادة الله من الطين مثله مثل سائر الحيوانات، ثم ورد في سورة نوح كلمة الأطوار تأكيد بأن ذلك الإنسان تدرج في التطور
وهناك فرق شاسع بين التطور والنمو ثم تأتى الآية التي ميزت هذا الكائن والذي وهبة الله العقل في سورة الانفطار ثم التعديل إلى الأحسن تم بعد
الخلقة الأولى.
الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7)
الانفطار
ثم تتوالى الآيات التي تصف هذا الإنسان.
هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ
لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1) الإنسان
أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا
خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْئاً (67) مريم
وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ
يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُمْ
مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133) الأنعام
فقد وصف الله هذا الإنسان في سورة الإنسان ومريم بأنه
كان نكرة في فترة من الزمان ثم تأتى سورة الأنعام لتؤكد بأن هذا الإنسان أتى من
ذرية قوم آخرين فلو أخذنا بالمعنى اللفظي فإن القوم الآخرين هم الإنسان البدائي
الأول، ثم أتى وصف العزيز القدير لهذا الكائن بأن خلقه على هيئته الأولى جاء بعدها
تصويرة بوهبة العقل والإدراك.
وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ
صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ
إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ (11) الأعراف
ومن هنا استشاط الشيطان غضباً من تفضيل بنى آدم علية
وتوعدهم بالغواية.
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا
فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ
عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) البقرة
فأخرجهم الله جميعاً من الجنة التي كانت موجودة بالفعل
على الأرض.
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا
آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى (120)
طـه
والأكل من شجرة الخلد تأكيد بأن آدم كان فانياً
والفناء لا يكون إلا في الدنيا وأن الجنة دار البقاء والخلود.
قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ
عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) الأعراف
والهبوط هنا بمعنى الخروج أو النزول من هذه الجنة التي
أنشأها الله لآدم.
قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا
تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25) الأعراف
مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ
وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55) طـه
وكما أمرنا الله بإعمال العقل فقد طلب منا بالتفكر
والبحث كيف بدأ الله الخلق.
قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا
كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ
اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) العنكبوت
في هذه الآية ورد لفظ النشأة الآخرة وكلمة نشأة لا
تأتى إلا من عدم فالبعث هو امتداد للحياة الدنيا ولكن وهب الكائن للعقل والإدراك
هو في حد ذاته نشأة وهنا يجب أن نفرق بين الخلق الأول وما سمى بالبشر فالله قد خلق
جميع الكائنات من الطين وجعلها تتكاثر ولكنة ميز بعضها بالعقل.
أثناء قراءتي للقرآن شدتني الآية 47 من سورة النساء
يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا
مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا
أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ
وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا
فشدني كلمة نَطْمِسَ والمعني اللفظي للكلمة هو المحو
والتشويه ثم حضرتني الآية التي سخط فيها الله اليهود للقردة والخنازير، ثم جاءت
جملة فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا ولم توفق كتب الأولين في بيان معناها ولم
يتفق عليها أحد وكان التفسير الذي اهتدوا له أن يحول الله وجوههم إلى قفاهم
ويشوههم، ولكن كلمة أَدْبَارِهَا تقبل أيضاً معني ما كان من حالها في السابق وهذا
تأييد بشأن الإنسان الأول الذي كان يشبه القرود.
ولمن يقلل من شأن القرد أليس القرد مخلوق من مخلوقات
الله بل هو أمه مثلنا كما جاء في سوره الأنعام آية 38
وَمَا مِنْ
دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ
أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ
يُحْشَرُونَ
من هذا الاجتهاد يتضح أنه كلما تقدمت العلوم والمعرفة
نجد أن الإسلام قد تطرق إليها والله أعلم.