القرآن ليس كتاب علم ولكن حينما ينزل الله آية فيطلب منا أن نتدبر ونتفكر فيها فكل منا يفهمها بطريقته وإدراكه ودرجة علمه كما أمرنا الله بذلك في الكثير من الآيات
سَنُرِيهِمْ
آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ
أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣) فصلت
قُلْ سِيرُوا
فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ
النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠) العنكبوت
فإذا تدبرنا الآية ٣٠ من سورة الأنبياء
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ
الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ
وقد فسر الأولون هذه الآية بأن السماء والأرض كَانَتَا
رَتْقًا أي كانتا ملتصقتين لا فاصل بينهما فَفَتَقْنَاهُمَا أي ففصلناهما بقدرتنا.
وقد تناول العلم الحديث نشأة الكون وخلص الي نظرية
أطلق عليها الانفجار العظيم أو نظرية السديم ومفادها أن تجمع غازي أو دخان أساسه
غاز الهيدروجين تسبب في انفجار عظيم نتج عنة تكون النجوم والكواكب والمجموعات
الشمسية وان هذا الانفجار ما زال في تمدد مستمر حتى الآن وتم قياسه وأن عملية
التوسع الكوني لا يمكن لها أن تستمر إلي ما لا نهاية وذلك لأن قوة الدفع إلي
الخارج الناتجة عن الانفجار الكوني في تناقص مستمر وسوف يؤدي هذا التناقص
التدريجي في سرعة توسع الكون إلي الوصول به إلي مرحلة تتغلب فيها قوي الجاذبية علي
قوي الدفع إلي الخارج فيبدأ الكون في الانكماش علي ذاته حتي يعود إلي حالة
مشابهة تماما لحالته الأولي التي ابتدأ منها خلق الكون.
ولما كان القرآن الكريم هو كلام الله الخالق فلابد أن
تكون كل آية في القرآن حقيقة مطلقة.
فلو قارنا ما استنبطه العلم الحديث وما ذكره القران
منذ أكثر من ١٤ قرن لخلصنا لما يلي
- جاء القرآن مؤكدا أن جميع أجرام السماء في حركة
مستمرة إلى أجل مسمي وأن السماء ذاتها في توسع مستمر إلى أجل مسمي كما جاء في سورة
الذاريات الآية ٤٧
(وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ
وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)
- أن السماوات والأرض كانتا في الأصل جرما واحدا
ففتقهما الله كما جاء في سورة الأنبياء الآية ٣٠
(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ
الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ)
والرتق في اللغة عكس الفتق لأن الرتق هو الضم
والالتحام يقال رتقت الشيء فارتتق أي فالتأم والتحم والفتق هو الفصل والشق
والانشطار.
والمعني الواضح لنا من هذه الآية أن السماوات والأرض
كانتا في الأصل شيئا واحد متصلا ملتئما وملتحما ففتقه ربنا بأمر منه إلى
الأرض والسماوات.
- تحولت مادة هذا الجرم الأول إلي الدخان الذي خلقت
منه الأرض والسماء كما في سورة فصلت الآية ١١
(ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ
دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا
أَتَيْنَا طَائِعِينَ)
- أن الكون الذي نحيا فيه هو مخلوق له بداية
وبالتبعية له نهاية كما وضحها سبحانه في الآية ١٠٤ في نفس سورة الأنبياء
(يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ
السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ۚ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ۚ وَعْدًا
عَلَيْنَا ۚ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)
ولو تدبرنا هذه الآية لظهر لنا بلاغة القرآن في تشبيه
نهاية الكون كطي الكتاب بعد أن كان مفتوحاً على مصراعيه انغلق وطوي كان لم يفتح.
- ثم ينفتق مرة أخري بعد أن ينكمش إلى سحابة من الدخان
تخلق منها أرض غير أرضنا الحالية وسماوات غير السماوات وهنا تتوقف رحلة الحياة
الأولي وتبدأ رحلة الآخرة كما جاء في سورة إبراهيم
الآية ٤٨
(يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ
الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ۖ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)
من هذا الاجتهاد يتضح أنه كلما تقدمت العلوم والمعرفة
نجد أن الإسلام قد تطرق إليها والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق