الأحد، 24 نوفمبر 2024

دين مخاطبة العقول

 الدين الإسلامي هو دين مخاطبة العقول فالله أمرنا وحثنا على التفكر والتدبر في كل ما يدور حولنا وقد اختار رسلة ممن يُعملون عقولهم ويتفكرون، وترك حرية الإيمان لمن يشاء استنادا لتطور الفكر البشرى فقد كان فكر الإنسان الأول وإدراكه قاصراً ومحدوداً لما يحيط حوله من ظواهر لا يدرك السبب من ورائها ويعزوها الى خرافات وأساطير ابتدعها.

ومن هنا كان تدرج الرسالات السماوية بعد أن كانت قاصرة على كل أمة وبعد هذا التدرج كان لا بد من رسالة عامة وشاملة للبشرية جمعاء.

والآن بعد تطور البشرية فأمكن التعرف على أشياء كانت خافية على الأمم السابقة وتم فك طلاسمها بالعلم الذي وهبة الله للإنسان.

فلقد كان هناك أناس يعبدون الأصنام ظناً منهم أنها تقربهم لله والآن وبعد اتساع مدارك الإنسان والرسل المرسلة تجد من يفعل ذلك بسبب خلل في عقلة أو فساد في عقيدته فالإله يخلِق ولا يُخلق ولا تنطبق عليه مفاهيمنا وأبعادنا فليس كمثله شيء ومن ينظر للكون واتساعه المستمر يدرك ويتيقن أن الله لا يمكن إدراك عظمته ولهاذا خلقنا لنعبده ونعظمه ونقدسه وحده.

 

أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ

 من ضمن مظاهر الحياة الحركة الناشئة عن إرادة حرة فالسيارة تتحرك ولكن من خلال من يقودها فالسيارة ليست لها إرادة، وكذلك من مظاهر الحياة الكلام والتفكر الناشئ عن إرادة حرة فالراديو والتليفون يصدر عنهما صوت ولكنة صوت منقول وليس لديهما إرادة حرة في الكلام.

وها هي العلوم الحديثة تطلق لنا ما يسمى بالذكاء الاصطناعي الذي بواسطته تستطيع أن تتحاور وتسأل عن أي شيء ويتم الإجابة عليك بمنتهى السرعة والدقة والحيادية وبدون تدخل بشرى وان كان الصوت بشرى، وها هي الأبحاث الحديثة تنتج ما يسمي بالروبوتات والمعروفة بالإنسان الآلي والتي يمكنها أن تتحرك وتقوم بأعمال سبق الإعداد لها وكانت السبب في بطالة الكثير من البشر، وبتقدم هذا العلم يمكن إضافة وإقران الذكاء الاصطناعي لهذه الروبوتات فيمكنها أن تتحرك أيضاً وتتحاور معك وتجيب على جميع أسألتك وهذا هو مشروع الكثير من العلماء ومراكز الأبحاث في تكوين هذا النموذج المتحرك المتحدث أياً كان شكلة.

وبتطبيق ذلك على الآية 82 من سورة النمل {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ} وقد تم فهمها كما يلي وإذا وقع القول أي وإذا وجب العذاب عليهم، أخرجنا لهم من الأرض في آخر الزمان علامة من علامات الساعة الكبرى وهي الدابة أو حيوان يتكلم معهم.

 وإذا تدبرنا مفردات الآية فان الدابة هي كل ما يسير ويتحرك ويحدث صوت أو فعل دبيب على الأرض، ولم يحدد الله كنهها وطبيعتها ولكنة ذكرها في المطلق.  

وأخرجنا بمعنى أوجدنا وأحدثنا وأنشأنا وكل شيء بإرادة الله ومشيئته وبالنسبة لنا كبشر فنحن ننشئ ونوجد أشياء من خلال صنعها وبإلهام وإيحاء من الله.

ومن الأرض تقبل معنى أن تكون مكوناتها من عناصر الأرض تماماً كما أنشأنا الله منها سورة هود الآية 61 {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} وسورة النجم الآية 32 {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} من هذه الآيات يفهم أن الإنسان خلقة الله من مكونات الأرض وكذلك كل ما على الأرض خرج منها كالخشب من الأشجار وجميع المعادن وحتى البلاستيك تم تصنيعه من الغازات التي تخرج من باطن الأرض والروبوت مصنع بواسطة البشر مما خرج من الأرض وبإلهام وإيحاء من الله كما ألهم الله سيدنا نوح بصنع السفينة.

مما سبق يطرح التساؤل التالي لماذا لا تكون الدابة المقصودة هي هذا الروبوت المتكلم والذي بدأ ظهور نسخ تجريبية منة على أرض الواقع وهذا اجتهاد في فهم الآية في ضوء ما أوصلتنا إلية العلوم والتكنولوجيا والله أعلم.

السبت، 23 نوفمبر 2024

عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ

وردت في سورة المطففين الآية ٢٨ {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} وتم تفسيرها على أنها عين أعدت ليشرب منها المقربون ولم يتم التطرف لماذا استخدم الله كلمة {بها} ولم يقل الرحمن {منها}؟

استخدام {بها} لها دلالات بلاغية ولغوية عميقة فهي تشير لشيء معين سواء كان قريباً أو بعيداً في الجملة، وتعنى أن المقربين فقط هم من يشربوا منها وتعنى أيضاً خصوصية النعمة لهم فقط والاستغراق الكامل في النعيم وليس مجرد أخذ جزء منة.

الخميس، 21 نوفمبر 2024

إختلاف عدة النساء

 اختصت سورة الطلاق بذكر عدة النساء في الآية ٤ {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} بمعنى أن النساء المطلقات اللاتي يئسن أي انقطع عنهن دم الحيض لكبر سنهن إن ارتبتم أي شككتم فلم تدروا ما الحكم فيهن فعدتهن ثلاثة أشهر وكذلك اللاتي لم يحضن لسبب ما فعدتهن ثلاثة أشهر، وهذه الآية لا تتعارض مع الآية ٢٢٦ من سورة البقرة {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} وهى تنطبق على من يحلفون ألا يجامعوا نساءهم تربص أي انتظار وتوقف أربعة أشهر، ولا تتعارض مع الآية ٢٣٤ من نفس سورة البقرة {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} وهى تنطبق على من يموتون ويذرون أي ويتركون زوجات يجب عليهن أن يتربصن أي ينتظرن مدة أربعة أشهر وعشرة أيام لا يخرجن من منزل الزوجية، فاختلاف المدة راجع لاختلاف الحالة والوضع.

الثلاثاء، 19 نوفمبر 2024

هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ

 ورد في سورة الحديد الآية ٣ {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وتم فهما لغوياً كما يلي هو الأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء والظاهر الذي ليس فوقه شيء والباطن الذي ليس دونه شيء وهو بكل شيء عليم.

وإذا طبقنا معطيات العلم الحديث فإننا نعيش في عالم يحكمه بعد المكان وبعد الزمان والمسمى من قبل نظرية النسبية لأينشتين {الزماكان} ومفادها أن الزمان والمكان ليسا كيانين منفصلين، بل هما جزء من نفس نسيج الكون، وفى علم الله بالتأكيد توجد أبعاد أخرى ولكن لا تدركها حواسنا فكما قال ربنا عن إبليس في سورة الأعراف الآية ٢٧ {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} معنى ذلك أن هناك بعد آخر لا ندركه بحواسنا تماما كمن ينظر لشاشة تلفزيون يرى من فيها ولكن من بالشاشة لا يروننا لأننا نعيش في عالم ثلاثي الأبعاد وهم موجودين في بعدين متمثلين في الشاشة.

وإذا تأملنا دلالة الأول والأخر فهي تدل على الزمان، أما الظاهر والباطن فهي تدل على المكان والتواجد بمعنى أن الله لا يحكمه زمان أو مكان يتواجد فيهما لأنهما مخلوقان بعلمه ولا يمكن لخالق أن يحكمه ما خلقه فهو سبحانه الصمد الدائم الأبدي.

الأحد، 17 نوفمبر 2024

وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ

 ورد ذكر أشخاص وأماكن في آيات من القران ولم يتم تسميتهم لآن تسميتهم لن تؤثر على سياق والهدف من القصة القرآنية، كما آن هناك آيات الخوض فيها من باب الجدال والتشكيك وعلى سبيل المثال في سورة يوسف الآية ٢٠ {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} وشروة أي باعوه وهذه الكلمة من الأضداد في اللغة العربية اشتروه أي شراء أما شروه أي باعوه بثمن بخس أي بسعر زهيد رخيص.

واعتمد المشككون أن عملة الدرهم لم تكن موجودة في زمن يوسف ولا أدرى من أين أتوا بهذه الفرضية فعدم العلم بالشيء لا يعنى عدم وجودة، فالتعامل بالعملات بدأ منذ القدم وكان الدرهم هو وحدة قياس للأوزان وهو جزأ من اثنا عشر جزأ من الأوقية ولم يكون له شكل معين وفى عصور متقدمة تم سكه من الذهب والفضة وقد قام الفراعنة والرومان بسكها كما هو مبين في صور العملات التي تم اكتشافها والتنقيب عنها، ولقد تم ذكر الدرهم في التوراة والإنجيل في سرد نفس القصة.

كما أن زمن سيدنا يوسف يعود تقريبا ل ٢٣٠٠ سنة قبل الميلاد وبعد عصر الفراعنة ويقال في عصر الهكسوس حيث كانت توجد عملات تم اكتشافها وتوثيقها أثرياً.

ومن وجهه نظر أخرى فلو نظرنا لقصص القران فإنها تعرض القصة ومدلولاتها على المتلقين بحال عصرهم وبطريقة يفهمونها، فما جاء في سورة ق الآية ٣٨ {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} فما هو مفهوم الستة أيام هل هي بمفهوم علم البشر أم بعلم الله كما جاء في سورة الحج الآية ٤٧ {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} وهل تحتاج مشيئة الله لسبب فإرادته تكمن بين كن فيكون سورة آل عمران الآية ٤٧ {إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} وسورة النحل الآية ٤٠ {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} فتكون الستة أيام كناية عن صغر الفترة الزمنية، فالأمثال التي يضربها الله بغرض تقريب المفهوم ليفهمه المتلقي ومن هنا يكون ذكر الدرهم بالرغم من وجودة تاريخياً إلا ليقرب مفهوم الآية للمتلقين والله أعلم.





 

الأربعاء، 13 نوفمبر 2024

وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ

إذا تأملت الآية ١١ من سورة الطارق {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ}

‏لم يفهم المفسرون الأوائل إلا أحد معاني الرجع وهو إرجاع المياه التي تم تبخيرها من على سطح البحار في صورة أمطار تهطل ولذا سمي المطر رجعا ولكن اللفظ القرآني لم يقل ذات المطر بل قال ذات الرجع ويفهم منه أن السماء تقوم بإرجاع أشياء أخرى وقد كشف العلم عن صور أخرى لرجع السماء وعلى ذلك فإن وصف السماء بأنها ذات الرجع في القرآن الكريم يجمع كل هذه الصور التي نعرفها اليوم وربما العديد من الصور التي لم نعرفها بعد وكل هذا في كلمة واحدة وهي الرجع وهذه الكلمة الجامعة هي شهادة صدق بأن القرآن الكريم هو كلام الخالق.

وها هو العلم اليوم يتوصل إلى هذه الحقائق التي أخبرنا الله بها في كتابه الكريم فتوصل علماء الفلك إلى أن النجوم في حركة مستمرة وتدور في فلكٍ بيضوي أو دائري وترجع أو تعود حيثما كانت وبصفة دورية.

أما الصدع فهو تشقق الأرض ولم يختلف الأمر بالنسبة لعلماء الجيولوجيا الذين توصلوا إلى أن أفضل وصف يمكن أن توصف به الأرض هو الأرض ذات الصدع فقد كانت القارات متصلة ثم تصدعت فإذا ذهبت لتصف الأرض منذ أن خلقها الله وحتى الآن فإنها في تصدع مستمر وكذلك حركة الصفائح التكتونية أسفل القارات.

وقد كشف العلم عن عدد من صور الرجع منها:

 - الرجع الاهتزازي للهواء تحتوي الطبقة الدنيا من الغلاف الغازي للأرض على غازات والتركيب الكيميائي والصفات الفيزيائية لهذا المكونات يعتبر من الضروريات الأساسية للحياة ومنها القدرة على السمع فلو لم يكن لنطاق الرجع هذه الكثافة الغازية المحددة ما أمكن للاهتزازات المحدثة للأصوات أن تُسمع فعندما تهتز أحبالنا الصوتية تحدث اهتزازاتها ضغوطاً في الهواء تنتشر على هيئة أمواج تتحرك في الهواء في كل الاتجاهات و تتلقاها طبلة الأذن فتحدث بها من الاهتزازات ما يمكن من سماعها بوضوح وذلك لأن الصوت لا ينتقل في الفراغ.

- الرجع المائي يغطي الماء أكثر قليلاً من٧١% من مساحة الأرض وهذا الماء يتبخر من أسطح المحيطات والبحار وهذا البخار تدفعه الرياح إلى الطبقة الدنيا من الغلاف الغازي للأرض وتحمله السحب حيث يتكثف ويعود إلى الأرض مطراً أو ثلجاً وبدرجة أقل على هيئة ندى أو ضباب وتسمى بدورة الماء في الطبيعة ولولاها لفسد كل ماء الأرض الذي يحيا ويموت فيه بلايين الكائنات في كل لحظة ولتعرض كوكبنا لحرارة قاتلة بالنهار ولبرودة شديدة بالليل.

- الرجع الحراري يصل إلى الأرض من الشمس كميات هائلة من الأشعة ويعمل الغلاف الغازي للأرض كدرع واقية لنا من حرارة الشمس أثناء النهار لأن ذراته وجزيئاته تمتص وتشتت وتعيد إشعاع هذه الأشعة الشمسية في كل الاتجاهات بعيداً عن الأرض أما بالليل فانة يحتفظ بحرارة الأرض من التشتت ويردها إلى الأرض ولولا هذا الرجع الحراري إلى الخارج لأحرقت أشعة الشمس كل صور الحياة على الأرض ولتبخر الماء.

- رجع الغازات والأبخرة والغبار عندما تثور البراكين فإنها تدفع بملايين الأطنان من الغازات والأبخرة والأتربة إلى جو الأرض الذي سرعان ما يرجع غالبية إلى الأرض كذلك يؤدي تكون المنخفضات والمرتفعات الجوية إلى دفع الهواء في حركة أفقية ينشأ عنها الرياح والغالبية العظمى من المنخفضات الجوية تتحرك مع حركة الأرض أي من الغرب إلى الشرق بسرعات تتراوح بين ٢٠ و ٣٠ كم/س وعندما تمر المنخفضات الجوية فوق اليابسة تحتكّ بها فتبطؤ حركتها قليلاً وتحمل بشيء من الغبار الذي تأخذه من سطح الأرض وإذا صادف المنخفض الجوي في طريقه سلاسل جبلية معترضة فإنه يصطدم بها مما يعين على إبطاء سرعتها وعلى عوده الهواء إلى أعلى ولما كان ضغط الهواء يتناقص بالارتفاع فإن قدرة الهواء على الاحتفاظ بالغبار المحمول من سطح الأرض تضعف باستمرار مما يؤدي إلى رجوعه إلى الأرض وإعادة توزيعه على سطحها بحكمة بالغة.

- الرجع الخارجي للأشعة فوق البنفسجية بواسطة طبقة الأوزون التي تمتصها وبذلك تحمي الحياة على الأرض من أخطار تلك الأشعة المهلكة التي تحرق كلاًّ من النبات والحيوان والإنسان وتتسبب في العديد من الأمراض مثل سرطانات الجلد وإصابات العيون وغيرها ويمكن أن تؤدي إلى تبخير ماء الأرض بالكامل.

- رجع موجات الراديو اللاسلكية بواسطة النطاق المتأين بين١٠٠ و ٤٠٠ كم فوق مستوى سطح البحر تُمتص الفوتونات النشيطة القادمة مع أشعة الشمس مثل الأشعة السينية فتؤدي إلى رفع درجة الحرارة وزيادة التأين ونظراً لانتشار الإليكترونات الطليقة في هذا النطاق فإنها تعكس موجات الراديو المبثوثة من فوق سطح الأرض وتردها إليها فتيسر عمليات البث الإذاعي والاتصالات وكلها تمثل صوراً مختلفة من الرجع.

لِأَوَّلِ الْحَشْرِ

ورد في سورة الحشر الآية ٢ {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} والمعنى من أهل الكتاب وهم يهود بني النضير وإخراجهم من مساكنهم التي جاوروا بها المسلمين حول المدينة، لأول الحشر وهذا أول إخراج لهم من جزيرة العرب إلى الشام، ما ظننتم أيها المسلمون أن يخرجوا من ديارهم بهذا الذل والهوان لشدة بأسهم وقوة منعتهم وظن اليهود أن حصونهم تدفع عنهم بأس الله ولا يقدر عليها أحد فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا أي لم خطر لهم ببال ولم يتوقعوا، وألقى في قلوبهم الخوف والفزع الشديد يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاتعظوا يا أصحاب البصائر السليمة والعقول الراجحة بما جرى لهم.

والمتمعن في لفظ أول الحشر يعنى أن هناك إخراج آخر لليهود ويجب علينا أن نتعظ ونؤمن بذلك.

خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا

ورد في سورة الروم الآية ٢١ {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فسرت هذه الآية الكريمة أن المرأة خلقت من الرجل ولكن المتأمل في بلاغة ودقة وصف كلمات الله فإن أنفسكم يقصد بها بأن الله خلقها من نفس جنسكم وشبيهه لخلقتكم ولذلك قال سبحانه خلق لكم ولم يقل خلق منكم وهذا أقرب للمنطق والعقل كما جاء في نهاية الآية.

الثلاثاء، 12 نوفمبر 2024

سبع سماوات

 تمت الإشارة في القران الي عدد سبع سماوات في خمس آيات وتم ذكر السماوات بصيغة الجمع في حين أن الأرض ذكرت بصيغة المفرد فما دلالة ذلك؟

المقصود بالسماء هو الفضاء الذي يعلونا إلى ما شاء الله وليس له نهاية وأن هذا الفضاء وكما سماه الله بالسماء ما زال الي يومنا هذا في توسع كما جاء في سورة الذاريات الآية ٤٧ واثبة العلم وتم قياسه بما لا يدع مجال للشك من هذا التمدد والتوسع {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}

إذا فهي سماء واحدة وفي تمدد وتوسع ثم تأتي سورة الأنبياء الآية ٣٠ {أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} ومعني رتقاً أي شيء واحد، ففتقناهما أي ففصلناهما.

فلماذا جمعت كلمة السماء وتركت كلمة الأرض بصيغة المفرد إلا إذا كان مفهوم السماء لم ندركه بعد فلربما كانت السبع سماوات هي المدارات التي تدور فيها كواكب مجموعتنا الشمسية وعددها سبعة كواكب في سبع مدارات، ولربما كانت عوالم أخري في علم الله وهو سبحانه القائل ويخلق ما لا تعلمون، فالجزم بأنها خاصة بالأرض التي نعيش عليها خطأ وخاصة أن كل من فسر اعتمد على فهمة وعلمة ولا توجد دلالة على أن السماوات خاصة بالأرض ولكنها في المطلق، في حين وردت آيات آخري ذكرت السماء الدنيا في ثلاث آيات والمقصود بها السماء أو الفضاء المحيط بالأرض، وهذا الفضاء المحيط بالأرض هو من تحاول الشياطين اختراقه لسبب لا يعلمه إلا الله.

ورد في سورة لقمان الآية ١٠ {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} من قال إن السماء بها أعمدة ولكننا لا نراها فهو خالق قدير عليم بما خلقه، لأن هذا النظام الكوني لا بد له من ضوابط تحكمه وإلا انهار على بعضة فهناك قوتان تحكمان أي جرم سماوي وهما قوة الطرد المركزي للخارج وقوة التجاذب للداخل وبتساويهما يحدث الاستقرار وتلك القوتان بالفعل لا نراهما، وأن الجبال لها دور مهم في الحفاظ على توازن هاتين القوتان تماماً كما يحدث عندما ترصص إطارات السيارة لتمنع الرجة والاهتزاز وتم وصف ذلك بكلمة أن تميد بكم.

ورد ذكر سبع سماوات طباقا أي طبقات فوق بعضها في القران الكريم وأنها يجمعها قمر وشمس واحدة ولم يتطرق لذهن أحد معناها الحقيقي، وها هو العلم يخبرنا بأن الغلاف الجوي فوقنا كناية على السماء يتكون من ٦ طبقات وأغلفة تختلف في تكوينها ووظيفتها وهي كما يلي:

١- طبقة التروبوسفير وهي الطبقة الأكثر قرباً من سطح الأرض ويتراوح مداها بين ٨ و ١٤ كم غير أن سمكها يكون أقل ما يكون في القطبين الشمالي والجنوبي كما يتكون الهواء فيها من غازات عدة مثل النيتروجين بنسبة ٧٨ % والأكسجين بنسبة ٢١ % في حين يتكون الجزء المتبقي من غازات ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء والأرجون كما يتواجد في هذه الطبقة هواء التَنفس والغيوم اللازمة للحياة.  

٢- طبقة الستراتوسفير ويتراوح مداها بين ٦ و ٢٠ كم فوق سطح الأرض وقد يصل إلى ٥٠  كم، وفيها تطير الطائرات كما يجري فيها الهواء بتيارات سريعة بشكل مواز للأرض، ويضاف لذلك بأن درجة الحرارة فيها تزداد مع الصعود وذلك لكثرة الأوزون الطبيعي الناتج عن أشعة الشمس والقادر على امتصاص الأشعة فوق البنفسجية الضارة.

٣- طبقة الميزوسفير ويبلغ سمك هذه الطبقة حوالي ٣٥ كم.

٤- طبقة الثيرموسفير وتشتعل الشهب فيها بسبب وجود كميات من الغازات اللازمة لتوليد الاحتكاك والحرارة ويتراوح مداها بين٩٠ و ٥٠٠ كم ويصل إلى١٠٠٠ كم بينما تصل درجة الحرارة فيها إلى١٥٠٠ درجة مئوية وتمتاز هذه الطبقة بانخفاض كثافة الهواء فيها لذا تدور الأقمار الصناعية فيها حول الأرض بالإضافة لذلك فإنه يحصل فيها ظاهرة الشفق حيث تصطدم جسيمات فضائية مشحونة بجزيئات وذرات هذه الطبقة مما يؤدي إلى تحفيزها لمستويات طاقة أعلى فتقوم بعدها الذرات بإطلاق الطاقة من خلال إصدار الضوء الذي يظهر على شكل شفق ملون مثل الشفق القطبي الشمالي والجنوبي.

٥- طبقة الإكزوسفير تعد الطبقة الخارجية للغلاف الجوي وتقوم هذه الطبقة بفصل الفضاء الخارجي عن طبقات الغلاف الجوي، ويبلغ مداها حوالي ١٠٠٠٠ كم، وهو مثيل لعرض الأرض نفسها، أي أنها ضخمة جداً، كما يتميز الغلاف الخارجي بغازاته مثل غازات الهيدروجين والهيليوم، وبالتالي ينعدم فيها هواء التنفس كما أنها باردة.

٦- طبقة الأيونوسفير وقد سميت بهذا الاسم نسبة إلى الأيونات التي تكونت بفعل جسيمات الطاقة من الفضاء الخارجي أو أشعة الشمس حيث تصطدم هذه الأيونات بإلكترونات الذرات تماماً كالأشعة السينية والأشعة فوق البنفسجية أي أن هذه الطبقة موصلة الكهرباء كما أنها تعكس أمواج الراديو ويذكر بأن هذه الطبقة تتكون من عدة طبقات بحيث تتفاوت تبعاً للمدى والفصول وتحصل فيها التغييرات بشكل يومي، بالإضافة لذلك فإنها تعكس جسيمات الرياح الشمسية أيضاً وهي تيار من الجسيمات عالية التأين التي تنتجها الشمس وهي ضارة.

فإذا أضفنا لهذه الطبقات التي تعرف عليها العلماء الفضاء الخارجي كطبقة فوق هذه الطبقات الستة فبذلك تكون السبع سماوات وكما قال ربنا وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (٨٨) سورة ص، فكلما ذادت العلوم والمعرفة يتبين صدق وحقيقة ما جاء فيه وهي أمور كانت خافية على الكثيرين من قبل وحتى الآن.

وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ

 ورد في سورة الأعراف الآية ١١ {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} إذ تدبرت كلمة صورناكم وكانت مرادفة وتابعة لكلمة خلقناكم أي أن الخلق مغاير للتصوير والله سبحانه هو البليغ العليم لا يفوته شيء، فالخلق يختص به الله دون غيره من العدم، والتصوير هو جعل هذه الخلقة محسنة بالعلم والسلوك والعقل الذي هو أساس كل شيء وهو الذي ميز الإنسان وفضله عن جميع مخلوقاته بما فيهم الملائكة حينما طلب منهم الله إخباره بأسماء ومدلولات الأشياء كما جاء في سورة البقرة الآية ٣١ {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} فردت الملائكة بعدم معرفتها وقالت {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}

ما أهدف إليه هو محاولة فهم كيف بدأ الله الخلق كما حثنا على ذلك في العديد من الآيات في سورة العنكبوت الآية ٢٠ {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} مما سيقودنا لنظريات العلم الحديث وتطابقها مع ما جاء في القران فإن القران هو الحقيقة المطلقة.

ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ

 ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ هي جملة تبين بمنتهى الإعجاز والبساطة مراحل خلق الإنسان

ورد في سورة المؤمنون الآيات ١٤ {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} هذه الآية الكريمة تبين لنا مراحل تكون الجنين من نطفة الى علقة أي دمًا أحمر يعلق في جدار الرحم فخلقنا العلقة مضغة أي قطعة لحم قدر ما يمضغ فخلقنا المضغة اللينة عظامًا فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله الذي أحسن كل شيء خلقه.

ذكر المفسرون أن أنشأناه خلقاً آخر بأنه بنفخ الروح فيه ولم يدركوا أن النطفة بها حياة أيضاُ، وأن كلمة خلقاً آخر تعني خلقاً مختلفاً وهو واقع الجنين الذي يعتمد على امه في غذائه وتنفسه من خلال الحبل السري أو المشيمة وعندما تحين لحظة ولادته يفقد كل اعتماده على امه ويتحول الي خلق آخر يعتمد على نفسه في الحصول على غذائه وتنفسه من خلال رئتيه وليس دم امه.

الفرق بين أنشأكم وخلقكم

ورد في سوره البقرة الآية ٣٠ {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} قال الله جاعل ولم يقل خالق ومعني ذلك أن الإنسان كان موجود ومخلوق بالفعل والدليل على ذلك رد الملائكة التي تعرفت على هذ الكائن من طباعه، كما أن الخليفة يكون لكائن موجود بالفعل، ثم تأتي كلمة أنشأكم وتكررت في المصحف خمس مرات منها مرتين في سورة الأنعام الآية ٩٨  {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ}، والآية  ١٣٣  {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ}.

دلالة الإنشاء هو التكوين وهو الخليفة وهو الذي ينشأ عن كائن موجود وهذا يتطابق في جميع الآيات التي ذكرت فيها كلمة أنشأكم وكانت بعيدة عن خلقكم فلقد خلق الله الإنسان وبعد ذلك جعله يتكاثر وهو ما تؤيده جميع الآيات التي وردت فيها. 

 وكما ورد في سورة هود الآية ٦١ {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ}.

وفي سورة النجم الآية ٣٢  {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى}.

 وفي سورة الملك الآية ٢٣ {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ}.

الهدف من هذا الاجتهاد هو محاولة فهم كيف بدأ الله الخلق كما حثنا على ذلك في جاء في سورة العنكبوت الآية ٢٠ {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

وتكررت كلمة النشأة كاسم في هذه الآية وليست كفعل في الآيات السابقة، وهو تأكيد لما أهدف إلية فنحن في الأخرة لن نخلق ولكن نبعث وننشأ مرة أخري.

آيتين لو تدبرنا فيهما

   آيتين لو تدبرنا فيهما لتبين لنا أن هذا الكتاب من عند خالق عليم وهو الحق

الآية الأولي رقم ٣٠ {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} أولم هي عبارة للحث على التدبر والتفكر فيما سيلي ذكره وقد فسر الأولون هذه الآية بأن السماء والأرض كانتا رتقا أي كانتا ملتصقتين لا فاصل بينهما ففتقناهما أي ففصلناهما بقدرتنا.

وقد تناول العلم الحديث نشأة الكون وخلص الي نظرية أطلق عليها الانفجار العظيم أو نظرية السديم ومفادها أن تجمع غازي أو دخان أساسه غاز الهيدروجين تسبب في انفجار عظيم نتج عنة تكون النجوم والكواكب والمجموعات الشمسية وان هذا الانفجار ما زال في تمدد مستمر حتى الآن ويتم قياسه وأن عملية التوسع الكوني لا يمكن لها أن تستمر إلي ما لا نهاية‏ وذلك لأن قوة الدفع إلي الخارج الناتجة عن الانفجار الكوني في تناقص مستمر‏‏ وسوف يؤدي هذا التناقص التدريجي في سرعة توسع الكون إلي الوصول به إلي مرحلة تتغلب فيها قوي الجاذبية علي قوي الدفع إلي الخارج‏‏ فيبدأ الكون في الانكماش علي ذاته حتي يعود إلي حالة مشابهة تماما لحالته الأولي التي ابتدأ منها خلق الكون‏.

فلو قارنا ما استنبطه العلم الحديث وما ذكره القران منذ أكثر من ١٤ قرن لخلصنا لما يلي:

- جاء القرآن مؤكدا أن جميع أجرام السماء في حركة مستمرة إلى أجل مسمي‏‏ وأن السماء ذاتها في توسع مستمر إلى أجل مسمي‏‏ كما جاء في سورة الذاريات الآية ٤٧ {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}

- أن السماوات والأرض كانتا في الأصل جرما واحدا ففتقهما الله كما جاء في سورة الأنبياء الآية ٣٠ {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} والرتق‏‏ في اللغة عكس الفتق‏‏ لأن الرتق هو الضم والالتحام يقال رتقت الشيء فارتتق أي فالتأم والتحم‏ والفتق‏‏ هو الفصل والشق والانشطار‏ والمعني الواضح لنا من هذه الآية أن السماوات والأرض كانتا في الأصل شيئا واحد متصلا‏‏ ملتئما‏‏ وملتحما‏‏ ففتقه ربنا بأمر منه إلى الأرض والسماوات‏.‏

- تحولت مادة هذا الجرم الأول إلي الدخان الذي خلقت منه الأرض والسماء‏‏ كما في سورة فصلت الآية ١١ ‏{ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} لم يتم تفسير الآية بشكل منطقي وعلمي ولكن تم الإشارة الي الدخان على انه بخار الماء، وقد تطرق البعض حديثاً الي أن الدخان قصد به غيوم من الغازات الحارة وغبار من الذرات.

ويكن تشبيه ما سبق ببساطة كفتح صفحات كتاب فبعد أن كانت الصفحات ملتصقة انفتحتا وتمددت.

ثم تأتي الآية الثانية في نفس السورة الآية رقم ١٠٤ {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ۚ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ} ولو تدبرنا هذه الآية لظهر لنا بلاغة القرآن في تشبيه نهاية الكون كطي الكتاب بعد أن كان مفتوحاً على مصراعيه انغلق وطوي كان لم يفتح، ثم ينفتق مرة أخري بعد أن ينكمش إلى سحابة من الدخان تخلق منها أرض غير أرضنا الحالية‏‏ وسماوات غير السماوات وهنا تتوقف رحلة الحياة الأولي وتبدأ رحلة الآخرة كما جاء في سورة إبراهيم الآية ٤٨ {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ۖ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}

من هذا الاجتهاد يتضح أنه كلما تقدمت العلوم والمعرفة نجد أن الإسلام قد تطرق إليها والله أعلم.




 

بغير علم

أولاً العلم هو المعرفة والدراية والدليل.

ثانياً هناك علم سمعي منقول وهو كل علم يصل إليك وأنت غير متخصص في مجاله وبدون أن تتحرى صحته وتكتفى بنتيجة فقط وربما يكون صواب أو يشوبه العوار.

ثالثاً هناك علم يقيني وهو الذي تتعرف علية بحواسك أي تراه رؤيا عين مباشرة وسمع مباشر وليس من خلال وسيط وهذا ما سيقودك للحقيقة مباشرة لآن العلم بالتبعية سيؤدي للتدبر والتدبر يحتاج لإعمال العقل كما تعرف الرسل جميعاً على الخالق ومنهم سيدنا إبراهيم وسيدنا محمد على سبيل المثال وهذا ما تنوه إلية الآية ٨ في سورة الحج {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ} وتكررت نفس الآية في سورة لقمان الآية ٢٠، الهدى هنا بمعنى التعليم والإرشاد والاهتداء، والكتاب المنير ويقصد به الكتب السماوية فكلها من عند الله، معنى ذلك أن العلم والمعرفة المبنية على يقين وليس ظن ومن خلال التدبر هي المطلوبة من الناس جميعاً.